السيدة/موضي تتجول في شوارع الرياض على حمار
عبدالله ناصر الفوزان
ظلت موضي، تلك المديرة الناجحة في إحدى ثانويات مدارس الرياض تناضل على مدار السنوات الخمس الماضية لإقناع المعنيين بأن قيادة السيارة حق للمرأة قبل أي شيء آخر مثلما هي حق للرجل، وتقدم البراهين واحداً بعد الآخر على أن المصالح التي ستتحقق من عدم منعها من مزاولة حقها أهم وأكثر من المحاذير، ولكنها على الرغم من كثافة جهودها لم تنجح في مساعيها، فقررت محاولة الإقناع بطرق عملية، فبدأت بقيادة السيارة فعلاً في شوارع مدينة الرياض، وحين فعلت هذا في المرة الأولى حملت معها رخصتها الدولية، وأبرزتها لرجال الأمن عندما أوقفوها، وعندما لم يقتنعوا دخلت معهم في حوار طويل حاولت من خلاله أن تثبت لهم أن الحجج التي يستندون لها في منعها أَوْهَىْ من خيط العنكبوت، وعندما لم يُجْدِ كل هذا نفعاً، وتمسكوا بالقول إن وجود السائق معها هو لحمايتها، وتحمُّل الأعباء عنها إذا تعطلت السيارة، قالت: حسناً.. سنرى.
وبعد عدة أيام قادت سيارتها مرة أخرى وفي هذه المرة اصطحبت معها في المرتبة الخلفية سائقها، وقد ظن رجال الأمن عندما حاصروها وكذلك الشباب الذين طاردوها أن من معها في المرتبة الخلفية هو (البودي جارد) بغرض مواجهة كل من يعترض طريقها، ولذلك فقد اندهش الجميع عندما نزلت موضي من السيارة ونزل معها السائق وانكشف الأمر، وقد قالت موضي لرجال الأمن إنها أخذت معها سائقها كي يحميها وليساعدها في حالة تعرض السيارة للأعطال، وعندما نظر رجال الأمن لبعضهم مندهشين قالت أليست هذه هي حجتكم في منعي من القيادة في المرة الماضية؟ وطلبت منهم فسح الطريق لها لتواصل السير.. وعندما رفضوا، قالت ما حجتكم الآن؟ لديَّ رخصة دولية، والسائق معي في السيارة، وأنا أقدر منه على القيادة، وَأَعْرَفُ بشوارع مدينتي، وأتحدث العربية وهو لا يستطيع، فلماذا تريدون أن أجلس أنا في المرتبة الخلفية وأترك القيادة، ويحل هو محلِّي..؟ ولكن رجال الأمن لم يأبهوا بحججها، وقالوا أنتِ ممنوعة من قيادة السيارة.. وأمروها بالركوب في المرتبة الخلفية وترك القيادة للسائق.. فامتثلت.. وركبت في الخلف وهي تقول حسناً.. سنرى.
بعد عدة أيام قامت موضي بمحاولة أخرى من نوع آخر فقادت (دراجة هوائية) في شارع التخصصي، وأحدثت ضجة كبرى، ودخلت مع سيارات الأمن في عملية مطاردة مضحكة لقدرة السيكل على النفاذ بين السيارات والعبور للشوارع الفرعية بسرعة، ولكن في النهاية تمكن رجال الأمن من محاصرتها وإجبارها على النزول، ومع أنها ذكَّرتهم بمنعها من قيادة السيارة وألقت عليهم خطبة عصماء غاضبة فقد وجدت نفسها مضطرة للتخلي أيضاً عن هذه الطريقة وبدأت تفكر في أسلوب آخر.
منذ عدة أيام اهتدت لتلك الطريقة الأخرى، فاشترت حماراً، وركبته بعد المغرب، واتجهت لطريق العليا لقربه من منزلها، وعندما دخلت الشارع عبر أحد الطرق الفرعية كان خبرها قد بدأ ينتشر عبر رسائل الجوال، إذ ارتفع رنين الجوالات للإبلاغ بأن موضي (المشهورة لدى الجميع) بدأت تتجول في شارع العليا على حمار.
وكالعادة في كل مرة تقوم فيها موضي بمحاولاتها الاحتجاجية المثيرة تكاثرت السيارات حولها، وأحاط بها الشباب، وبدأ الصفير، وحصل (الهرج والمرج) فازدحم الشارع بالسيارات، وارتبك السير، بل توقف تقريباً، وبلغ الخبر السلطات الأمنية فجاءت الدوريات، وكانت موضي حينئذ تقود حمارها في الشارع بين السيارات المتوقفة، وحين لاحظت وصول رجال الأمن، خرجت من الشارع إلى الرصيف، ونزل بعض رجال الأمن من سياراتهم واعترضوا طريقها، وأوقفوا حمارها، وبدأوا حواراً عاصفاً معها:
رجل أمن: خير إن شاء الله.. الظاهر إنك خبلة.
موضي: ليه كفى الله الشر..؟؟
رجل الأمن: وش هاللي تسوينه..؟؟
موضي: أنا سويت شي غلط..؟؟
رجل الأمن: الغلط راكبك من راسك إلى ساسك.
موضي: يالله بس وخِّر عن طريقي.. أنت مالك حق تمنعني.
رجل الأمن: إلا لي حق... ما أنتِ شايفة وش سويتي..؟؟ ما أنتِ شايفة هالزحمة والربكة في الشارع..؟؟
موضي: وأنا وش دخلِّني.. اسأل هالمراجيج اللي يمشون وراي ويُصَفِّرُونَ.. أنا أستخدم وسيلة مواصلات.. منعتوني من السيارة، والسيكل، وبعد تبي تمنعوني من الحمار..؟؟ رجل الأمن: (وهو ينظر لزملائه) وش هالنشبه..؟؟ وش نسوَّي معها..؟؟
موضي: يالله بس أبعد عني.. أبمشي على الحمار كل يوم مثل الصحابيات في عصر النبوة.. هاه.. تنكر حتى على الصحابيات..؟؟ رجل الأمن: لا.. أستغفر الله.. بس الزمن تغيّر..
موضي: وش تغير فيه..؟؟ المفروض يكون تغيِّر للأحسن..
رجل الأمن: صح.. تغير للأحسن.. الآن الشوارع مهيئة للسيارات مهوب للحمير.
موضي: بس أنتم منعتوني من استخدام السيارة وحتى السيكل... ليه أنا ما لي حق في استخدام المواصلات.... مانيب إنسان..؟؟ يالله بس وخِّر عن طريقي.. هو عندكم نظام يمنعني من ركوب الحمار...؟؟ رجل الأمن: لا ما عندنا نظام.
موضي: هي قيادة الحمار تبي رخصة...؟؟
رجل الأمن: لا.. ما تبي رخصة.
موضي: طيب خلاص أبعد عن طريقي.
كان قد تحلق خلق كبير على موضي ورجال الأمن يتابعون هذا الحوار المثير، وقد بدأ بعضهم يتدخل، بعضهم ينكر على رجال الأمن منعها، وبعضهم يحضهم على إنزالها بالقوة وإنهاء المهزلة، ويبدو أن الخبر قد وصل لأصحاب القرار، إذ تكاثرت الاتصالات على رجال الأمن المعترضين طريق موضي، وحصلت تفاهمات، انسحب بعدها رجال الأمن من الموقع، فواصلت موضي سيرها وهي تقول لهم.. سأركب حماري كل يوم وسأطالب السلطات بترتيب أماكن بجوار الأسواق لوقوفه فهذا حقي طالما تم منعي من استخدام السيارة.. ونزلت من الرصيف للشارع، وواصلت سيرها وسط التصفيق والصفير، ثم انحرفت يميناً في طريق جانبي واتجهت نحو منزلها وهي تفكر فيما ستفعله في اليوم التالي.